الخميس، 12 فبراير 2009

حقا.. إن التاريخ يعيد نفسه - عبد العزيز الرنتيسي *




حقا.. إن التاريخ يعيد نفسه
بقلم عبد العزيز الرنتيسي *

ترددت كثيرا في كتابة مقالي هذا، ثم حزمت أمري واخذت بالكتابة، وذلك رداً على مقال نشرته «الشرق الأوسط»، بتاريخ 12 يناير (كانون الثاني) 2003، للدكتور أحمد الربعي، النائب في مجلس الأمة الكويتي بعنوان «التاريخ.. حين يعيد نفسه». وحزم أمري كان لا بد منه لأن الكاتب شخصية مرموقة لها وزنها في وطننا الكويت، ولأن الصواب لم يكن حليفه في مقاله هذا، ولا اعتقد انه تعمد الاساءة لحركة «حماس»، ولكني اعتقد ان الحقائق لم تصل الى مسامعه وله كل العذر في ذلك. ولكن هناك أمراً لم اجد لأستاذنا فيه عذرا، وهو انه بنى موقفه من ضرب أميركا للعراق من خلال الألم الذي لا اشك في انه لم يكن سهلا، والذي تسببه اجتياح الكويت عام 1990، ونحن في فلسطين اقدر الناس على تفهم شدة الالم الذي يولده قهر الاحتلال، ولكني كنت آمل، وما زلت، ان يكون موقف الربعي مبنيا على المصلحة العليا للأمة بما فيها الكويت، وان يتحسس الخطر الذي ينتظر الأمة بكاملها بما فيها الكويت وفلسطين، اذا لا قدر الله ضرب العراق، فالامر أبعد من التشفي وارواء الغليل، انه احتلال لن يكون للعراق فقط، بل لا ابالغ ان قلت انه سيكون للخليج بكامله، ناهيك من ان الذين ستسحق عظامهم قنابل أميركا معظمهم كان قاصرا، او لم يكن حتى مولودا يوم اجتاح العراق الكويت، فنصرة العراق، دكتورنا الفاضل، نصرة لفلسطين والأمة، ونصرة لشعب الكويت وشعب العراق، ومن هنا لا غرابة في ان نسمع أصواتا كويتية ترفض ضرب العراق، وهي محقة في ذلك، كما ان دول الخليج جميعها ترفض ضرب العراق.
لقد قلت في مقالك «هناك من يشجعون الحكومة العراقية على استمرارها بإيذاء نفسها وشعبها، ويبدو ان هناك من لا يتعلمون شيئاً من التاريخ حتى لو كان تاريخاً قريباً ما زالت الأمة تدفع فواتيره واستحقاقاته. اقول هذا وأنا اشاهد مهرجانا لحركة «حماس» في قطاع غزة، وأستمع الى خطاب ألقاه السيد عبد العزيز الرنتيسي، أحد قيادات الحركة، وهو مهرجان تأييد لحاكم العراق، حيث يطالب السيد الرنتيسي رئيس النظام العراقي بتحضير فدائيين يفجرون انفسهم ويتحدث عن القيادة العراقية بشكل يثير المرارة والحزن».
ولكن دكتورنا الفاضل، ألا ترى الاستعدادات الأميركية والبريطانية التي تعد لسحق عظام العراقيين؟ واذا كان الامر كذلك، فهل ترى ان الحكمة تقتضي ان يرفع العراقيون راية بيضاء ليلقوا الورود على قاتليهم؟ وهل هناك عيب او ايذاء لشعب العراق في نصرته؟ ثم أحب ان أسر لك دكتورنا الفاضل، بأننا لم نخرج تأييدا لحاكم العراق كما ذكرت، ولا لغيره من الحكام، ولم يذكر في الكلمة التي القيتها لفظة واحدة تشير الى ذلك، أتدري لماذا؟ لأننا دائما وأبدا كنا مع الشعوب، وربما لا يخفى عليك ذلك، وارجو ألا يثير دعمنا لشعب العراق مرارة ولا حزنا في نفسك ان شاء الله.
لقد فعلنا نفس الشيء دكتورنا الفاضل يوم اجتاح العراق الكويت، لقد كانت «حماس» فريدة في موقفها، واضحة في قولها، صادقة مع مبادئها، ورفضت بكل شجاعة احتلال الكويت، أتعلم دكتورنا ان الناس أنزلوا خطباء «حماس» عن المنابر وأهانوهم لأنهم كانوا اوعى من العواطف التي لم يكن لها مبرر، تماما كالعواطف الخاطئة التي تتمنى قيام أميركا بضرب العراق. هل تعلم أنني كنت وشيخ فلسطين الشيخ أحمد ياسين، في احدى زنازين الاحتلال يوم اجتياح الكويت؟ وأقسم لك أنني لم أر شيخنا مهموما كما كان يوم اجتياح الكويت، ولقد بلغ بنا الاسى مبلغا عظيما. ولما خرجت من المعتقل وقلت رأيي بوضوح. رافضا اجتياح الكويت، قال بعض السذج «يا ليته لم يخرج من المعتقل»، ويمكنك أن تراجع بيان الحركة وتصريحاتنا في ذلك الوقت حتى تنجلي لك الأمور، لقد فعلنا ذلك لأننا أولاً نتألم لألم اخواننا في الكويت، وثانياً لأننا كنا نقرأ بوعي تام ما بعد الاجتياح.
وكم تألمت وأنا أقرأ في مقالك «أتذكر جيداً عندما كان صدام حسين يحتل الكويت وكانت المظاهرات تنطلق في الأراضي الفلسطينية المحتلة رافعة صور صدام حسين ومؤيدة له». ثم لا يفوتك ان تضيف فتزج بحركة «حماس» في دائرة السعداء باحتلال الكويت، وكم كان في ذلك من تجن على حركة كانت واعية في دعمها لشعب الكويت كما هي واعية اليوم في دعمها لشعب العراق، فتقول «اذا جد الجد واستمرت القيادة العراقية بعنادها، ووصلنا الى مرحلة الحرب فلن يجد العراقيون حركة «حماس» ولا السيد الرنتيسي يدافعون عنهم. واذا حدثت للعراقيين كارثة فسيتذكرون كل من شجعوا صدام قبل اثنتي عشرة سنة ودفعوه إلى المغامرة، ومن استمروا يلعبون نفس الدور». ودعني اصدقك القول إنني لا ارى في اجترار الالم الذي اصاب الكويتيين أي مصلحة لهذه الأمة، لأن أميركا ستزول بإذن الله، ولذا علينا ان نزرع الحب بين الشعوب بدلا من تعميق الكراهية.
ولي همسة عتاب لك دكتورنا الفاضل، وأنت تقول «كل هذا يتم على بعد امتار من آليات العدو الصهيوني، وكل ذلك يتم وفلسطين تحت الاحتلال. وأخطر ما في كل ذلك، هو ذلك الربط المثير للشفقة بين المسألة الفلسطينية والمسألة العراقية». وكأننا نغض الطرف عن آليات العدو، وكأننا لا نقدم في كل يوم خيرة شبابنا في مواجهة هذه الدبابات، فنحن أستاذنا لم ندر ظهورنا لهذه الدبابات ولن نفعل ذلك بإذن الله، ولم نكن في جهادنا معتمدين على الانظمة، ولكن اعتمادنا فقط على الله سبحانه. ثم أخي الفاضل دكتور أحمد، ألم تكن أوسلو التي انتقدتها في مقالاتك سابقا، ثمرة لضرب العراق؟ ثم ألم يقل كل المحللين والسياسيين ان ضرب العراق قد يؤدي الى طرد الفلسطينيين من وطنهم؟ او الى إعمال السكين الصهيوني في رقابهم؟ فكيف تعتبر ان الربط بين العراق وفلسطين هو اخطر ما في الموقف الذي اتخذته «حماس»؟ ناهيك من ان قضايا الأمة واحدة وستنعكس سلبا على الجميع. فأميركا لا تفرق بين عراقي وكويتي ولا سعودي ومصري. فيا دكتورنا رغم المرارة والالم الذي أصابنا واصابكم يوم اجتياح الكويت، شئنا أم أبينا، فان مصيرنا واحد.
اذا تركت مسيرات الفلسطينيين في نفسك المرارة، فأنا أؤكد لك أن مقالك لن يترك في نفوسنا الا الحب، ولذلك دعنا نتغافر، ونتجاوز عما يثير في نفوسنا الاحقاد. واكبر خدمة يمكن ان نقدمها لشعبينا في العراق والكويت هي ان نتجاوز الازمة، ونجسر الهوة النفسية، وان نتصالح، «والصلح خير».
دكتورنا الفاضل، حقا إن التاريخ يعيد نفسه، فها نحن اليوم نُؤذى لدعمنا شعب العراق ضد الاجتياح الأميركي، تماما كما أوذينا يوم دعمنا شعب الكويت ضد الاجتياح العراقي.
وتحية لشعب الكويت الذي وقف معنا في الماضي ويقف معنا في الحاضر ولن يتخلى عن مسؤولياته في المستقبل بإذن الله.
* مسؤول في حركة «حماس»

Inserted from <http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=148671&issueno=8823>

هناك تعليقان (2):

  1. صدقت والله أخي الكريم ..
    التاريخ يعيد نفسه ..
    والمقال حقيقة جميل جدا ..
    رحمك اللة يا شيخنا الشهيد الرنتيسي .. وتقبلك الله في جنات الخلد ..
    بوركت ..

    جديد المدونة :
    " ٥ x ٤ = ٣سنوات !! معادلة كويتية "
    alsoorst.blogspot.com

    ردحذف
  2. أحسنت في وضع المقال .. سبقتني كنت ناوية انزله في مدونتي

    رحم الله الكاتبين

    ردحذف